1) حكم تغسيل الميت :
أجمع المسلمون على أن غسل الميت - أو تيممه لعذر - فرض على الكفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين ؛ لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : (بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ ، أَوْ قَالَ : فَأَوْقَصَتْهُ . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ) [متفق عليه] .
2) شروط تغسيل الميت :
يشترط في غسل الميت عدَّة شروط بعضها يتعلق بما يغسل به الميت ، وبعضها يتعلق بمُغَسِّله .
أولاً : ما يغسل به الميت :
- أجمع المسلمون على وجوب تغسيل الميت بالماء مع القدرة على استعماله ، ويشترط في الماء المستعمل للغسل ما يأتي :
أ ) أن يكون ماءً طهوراً ، كما في الوضوء وأنواع الغسل الأخرى ؛ولأن الماء الطهور هو الذي يرفع الحدث .
ب) أن يكون الماء مباحاً ؛ فلا يصح غسله بماء مغصوب أو مسروق ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيسَ عَلَيهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) [رواه مسلم].
ثانياً : ويشترط في الغاسل ما يأتي :
أ ) أن يكون مسلماً : لأن الغسل عبادة تحتاج إلى نية ، والكافر لا تصح منه النيَّة .
ب) أن يكون عاقلاً : لأن المجنون فاقد للأهلية فلا تصح منه النيَّة .
ج) أن يكون مُميِّزاً : لا يشترط أن يكون المغسِّل بالغاً وإنما يكفي أن يكون مميِّزاً ؛ لأن المميِّز يصح غسله لنفسه ، فصح غسله لغيره.
د ) ويستحب أن يكون المغسِّل ثقة أميناً؛ ليستر ما يطلع عليه .
هـ) أن يكون عارفاً بأحكام الغسل ؛ ليحتاط فيه .
3) الأولى بتغسيل الميت :
- أولى الناس بتغسيل الميت وَصيُّه ؛ لأن الوصيَّة حق الميت فيجب تنفيذها ، وقد رُوي أنَّ (أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَنْ تَغْسِلَهُ أَسْماءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ امْرَأَتُهُ) [رواه البيهقي ، بإسناد ضعيف] .
- ثم أبو الميت ؛ لما يختص به من الحنو والشفقة ، ثم جَدُّه وإن علا ، ثم الأقرب فالأقرب من عصبته بحسب ترتيب الميراث ، ثم ذووا أرحامه. وقد رُوي في الحديث عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (... لِيَلِهِ أَقْرَبُكُم مِنْهُ) [رواه أحمد والطبراني ، بإسناد ضعيف] .
- وإن كان الميت امرأة ، فأولى الناس بغسلها وصيها ، ثم الأقرب فالأقرب من نسائها .
4) ما ينبغي فعله عند الغسل :
أ ) ستر عورة الميت :
فيجب على الغاسل ستر عورة الميت ، من غير خلاف . وحدُّ العورة ما بين السرة والركبة ؛ ورُوي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : (لا تُبْرِزْ فَخِذَكَ وَلا تَنْظُرْ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ) [رواه أبو داود، وهو صحيح بشواهده]
ب) أن يَلُفَّ يده بخِرقة وينجِّيه بها :
لأنه لا يجوز له مس عورته ، كما أنه ممنوع من النظر إليها ؛ وقد روي عن عبدالله بن الحارث قال : (غَسَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَليٌّ وَعَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَمِيصُهُ وَعَلَى يَدِ عَليٍّ خِرْقَةٌ يَغْسِلُهُ بِهَا يُدْخِلُ يَدَهُ تَحْتَ القَمِيصِ فَيَغْسِلُهُ وَالقَمِيصُ عَلَيهِ) [رواه ابن أبي شيبه ، وإسناده ضعيف] .
وعن محمد بن سيرين قال : (غَسَّلْتُ أَنَسَ بن مَالِكٍ ، فَلَمَّا بَلَغْتُ عَوْرَتَهُ ، قُلْتُ لِبَنِيهِ : أَنْتُمْ أَحَقُّ بِغَسْلِ عَوْرَتِهِ ، دُونَكُمْ فَاغْسِلُوهَا ، فَجَعَلَ الَّذِي يَغْسِلُهَا عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَعَلَيْهَا ثَوْبٌ ، ثُمَّ غَسَلَ الْعَوْرَةَ مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ) [رواه الطبرني في الكبير ، وحسنه الهيثمي].
- يحرم على الغاسل مس عورة من بلغ سبع سنين من غير حائل؛ لأنه لا يجوز له أن ينظر إليها ، فمن باب أولى أن لا يمسها .
ج) غسل ما به من النجاسة ؛ لأن المقصود من غسل الميت هو تطهيره حسب الإمكان .
- ويسن أن لا يمس الغاسل سائر بدن الميت إلا بخرقة ؛ وذلك لحديث عليٍّ المتقدم.
5) تغسيل الرجل امرأته والمرأة زوجها :
- يجوز للرجل أن يغسِّل زوجته ؛ لما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَا ضَرَّكِ لَو مِتِّ قَبْلي فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ ثُمَّ دَفَنْتُكِ) [رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وهو صحيح] .
- ويجوز للمرأة تغسيل زوجها ؛ وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : (لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ الأَمْرِ مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاؤُهُ) [رواه أحمد وأبو داود ، بإسناد حسن] .
- ويجوز للرجل أن يغسل أمَتَه ، وللمرأة أن تغسل سيِّدَها ؛ لوجود معنى الزوجية فيهما .
- ويجوز للرجل والمرأة غسل من له دون سبع سنين ؛ إجماعاً ، لأنه لا عورة له .
- وأحكام غسل الميت فيما يجب ويسن كغسل الجنابة ؛ فيراعي في غسله النية والتسمية وجوباً ، ثم يغسل عورته ، ثم يوضئه كوضوء الصلاة ندباً ، ثم يبدأ بغسل رأسه ، ثم بشقه الأيمن ، ثم بشقه الأيسر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي غسلن ابنته : (ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا) [رواه البخاري ومسلم] .
- ويستثنى من ذلك غسل الفم والأنف ، فلا يدخل الماء فيهما ، بل يأخذ خرقة مبلولة فيمسح بها أسنانه ومنخريه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بَأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [متفق عليه] ، ولأن إدخال الماء إلى فمه أو أنفه ربما أدى إلى تحريك النجاسة في جوفه ، وربما أدى إلى المثلة به.
6) عدد مرات الغسل :
- يُسن غسل الميت ثلاث مرات ، ويُكره الاقتصار في غسله على مرة واحدة ولو لم يخرج منه شيء ؛ لما ثبت في حديث أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك وتراً إن رأيتن بماء وسدر ...) [متفق عليه] .
- أما إن خرج من الميت نجاسة من قُبُله أو دُبُره بعد الثلاث ، وجب إعادة الغسل إلى سبع مرات؛ لأن المقصود من غسل الميت أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة .
- فإن خرج منه شيء بعد السبع حُشي محل الخارج بقطن ليمنع خروجه .
- فإن لم يستمسك الخارج بعد الحشو بالقطن ، فإنه يحشى بطينٍ خالص ؛ لأن فيه قوة تمنع الخارج ، ثم يغسل محل النجاسة ، ويوضَّأ الميت وجوباً ، ولا يعاد غسله ؛ لأن الجنب إذا أحدث بعد غسله أعاد وضوءه دون الغسل ، والميت كذلك .
- وإن خرج من الميت شيء بعد تكفينه لم يُعد الوضوء ولا الغسل ؛ لما في إخراجه من الكفن وإعادة غسله وتطهير أكفانه وتجفيفها أو إبدالها من المشقة والحرج ، لا سيما وأنه لا يُؤمن أن يخرج منه شيء بعد ذلك .
7) تغسيل الشهيد :
شهيد المعركة - وهو الذي مات بفعل العدو - يختص عن غيره من الأموات بجملة من الأحكام ، وهي :
أ - لا يغسل ولا يزال دمه وجوباً ؛ لما يتضمنه الغسل من إزالة أثر العبادة المستطاب شرعاً ، وفي الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (أَمَرَ بِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ في دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ) [رواه البخاري]. وعن جابر رضي الله عنه قال : (رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [رواه أحمد وأبو داود، وإسناده حسن] .
ب - لا يكفَّن وإنما يُدرج في ثيابه ؛ لحديث عبد الله بن ثعلبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شهداء أُحد : (زَمِّلُوهُمْ في ثِيَابِهِم ...) [رواه أحمد، بسند صحيح] . ولحديث جابر - السابق - في الرجل الذي رُمي بسهم في صدره فأدرج في ثيابه .
- لا يُصلَّى عليه ؛ لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم (أَمَرَ بِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ في دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ) .
ج- المقتول ظلماً كالشهيد في الحكم ؛ لا يُغسَّل ولا يُكفن ولا يُصلَّى عليه ؛ لحديث سعيد بن زيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) [رواه أبو داود والترمذي ، بإسناد صحيح].
د - أما غيرهما من الشهداء ؛ كالمبطون والمحروق والغريق ، فإنهم يُغسَّلون ويُكفَّنون ويُصلَّى عليهم ، باتفاق أهل العلم .
هـ - إذا أصيب المسلم في المعركة ثم حُمِل فأكل أو شرب أو نام أو بال أو تكلم أو عطس أو طال بقاؤه عُرفاً فإنه يأخذ حكم الميت غير الشهيد ، فيغسل ويكفن ويصلى عليه ؛ لأن هذه الأحوال تدل على استقرار حياته ؛ وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ غُسِّل وكُفِّن وصُلِّي عَلَيهِ ، وَكَانَ شَهِيداً) [رواه مالك ، بإسناد صحيح] .
- ومن قتل وعليه ما يوجب الغسل ؛ كالجنب والحائض والنفساء ، فإنه يُغسَّل كغيره ؛ لحديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ صَاحِبَكُمْ حَنْظَلَةَ تُغَسِّلُهُ المَلَائِكَةُ ، فَسَلُوا صَاحِبَتَهُ . فَقَالَتْ : خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ لَمـَّا سَمِعَ الهَائِعَةَ ...) [رواه ابن حبان والحاكم بسند صحيح] .
8) أحكام السِّقْط :
السِّقْطُ – بكسر السين وفتحها وضمها – هو المولود الذي سقط من بطن أمه قبل تمامه . وله أحكام تخصه ، وهي :
أ – إذا بلغ السقط أربعة أشهر غُسِّل وصُلِّي عليه وإن لم يستهلَّ صارخاً ؛ لأنه ينفخ فيه الروح في هذه المدة كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه (ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ) [متفق عليه] ؛ أي بعد الأربعة أشهر وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مرفوعاً : (وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيهِ) [رواه أبو داود والترمذي، بإسناد صحيح] .
ب- أما إذا كان دون أربعة أشهر ، فلا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه بلا خلاف، وإنما يُلفُّ في خرقة ويُدفن؛ لانتفاء حياته أصلاً ؛ إذ هو قبل الأربعة أشهر لا يكون نسمة .
9) تغسيل المسلم للكافر :
- يحرم على المسلم تغسيل الكافر ولو كان ذمياً ، أو تكفينه أو الصلاة عليه أو اتباع جنازته ، ولا فرق في ذلك بين الكافر القريب أو الأجنبي ؛ لأن في ذلك من التعظيم والتطهير والتولِّ له ، وقد نُهي المسلم عن ذلك قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ﴾؛ وقال تعالى : ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾.
- فإن لم يوجد من يواري الكافر من جنسه ، جاز للمسلم أن يواريه ؛ لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قتلى المشركين يوم بدر قال : (فَوَالله لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ) [رواه البخاري] ، وعن علي رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ( إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخُ الضَّالُّ قَدْ مَاتَ قَالَ : اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ ...) [رواه أبو داود والنسائي، بإسناد صحيح].
|